16 يوليو 2021

هل سيتخطى العراق أزمة الكهرباء؟

العراق/اقتصاد
الزبدة
التفصيل
الزبدة
التفصيل

منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، عانى العراقيون من صعوبة الوصول إلى الخدمات وبقي هذا الوضع قائمًا مع فشل الحكومات المتعاقبة في تغييره. ولعل الخدمة التي يحتاجها المواطنون العراقيون أكثر من غيرها هي الكهرباء، خاصة وأن درجات الحرارة في المناطق الجنوبية من البلاد ترتفع إلى ما فوق الـ 50 درجة مئوية (132 درجة فهرنهايت)، مما يزيد الطلب على الطاقة لتشغيل أجهزة التكييف.

وليست الاحتجاجات المستمرة بسبب انقطاع الكهرباء جديدة في العراق. ففي صيف 2018، على سبيل المثال، تظاهر الآلاف في بغداد والمدن الجنوبية بسبب القصور في تقديم الخدمات. وفي ذلك الوقت، ضربت البلاد أزمة كهرباء أيضًا فشكلت أهم الأسباب التي دفعت العراقيين للنزول إلى الشوارع، في حين أدت المطالب بتحسين البنية التحتية وتأمين المزيد من الوظائف وتوفير المياه النظيفة إلى تأجيج المظاهرات الغاضبة. وأسفرت الاحتجاجات عن سقوط مئات القتلى والجرحى جراء العنف المفرط الذي استخدمته قوات الأمن والجماعات المسلحة الأخرى لفض التظاهرات.

ويبدو أن أزمة الكهرباء الأخيرة التي تفاقمت بسبب درجات الحرارة المرتفعة، نتجت عن امتناع إيران عن تصدير كامل الإمدادات من الغاز الطبيعي المتعاقد عليها إلى العراق لتوليد الكهرباء. ولعل مردّ ذلك إلى فشل بغداد في تسوية فاتورة الكهرباء المتأخرة والتي أفيد بأنها وصلت إلى 6 مليارات دولار أميركي. وتتفاقم هذه التعقيدات بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، والتي تجعل من الصعب على طهران سداد مدفوعات واستلامها من الخارج.

ويتسبب الوضع الحالي في حدوث توتر بشكل خاص لأن العراق يعتمد على واردات الغاز من إيران لتوليد الكهرباء، في حين يملك احتياطيات غاز كافية لتوفير جميع احتياجاته. من جهة أخرى، فإن الغاز الناتج عن إنتاج النفط، والذي يمكن استخدامه لتوليد الكهرباء، يتم حرقه ببساطة في العراق، من دون أن تستفيد منه الدولة.

وعلى مستوى الأفراد، دفع ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي المواطنين العراقيين إلى إيجاد طرق بديلة للهروب من الحر الشديد. فوجد البعض أن السباحة هي الحل الأفضل. والتقى موقع أمواج.ميديا أحد هؤلاء وهو سجاد سامي البالغ من العمر 23 عامًا ​​الذي كان يسبح في نهر شط العرب في البصرة. فقال "أنا وأصدقائي نأتي إلى هنا كل يوم لنسبح... نقضي معظم فترة بعد الظهر هنا عندما تكون درجة الحرارة عند أعلى مستوياتها. وينضم إلى سامي ورفاقه عند النهر عشرات الأشخاص الآخرين الذين يتزايد عددهم كلما ازدادت ساعات تقنين الكهرباء وكلما ارتفعت درجات الحرارة.

وقبل أيام فقط، تظاهر مئات العراقيين مرة أخرى في محافظات جنوب العراق، وقطعوا الطرق الرئيسية وأحرقوا الإطارات احتجاجًا على انقطاع التيار الكهربائي. واستجابت السلطات للأزمة الحالية بعدة طرق.

على سبيل المثال، نُشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لمحافظ البصرة أسعد العيداني يحذر فيه من عزل محطات توليد الكهرباء في البصرة عن الشبكة الوطنية من أجل ضمان إمداد المدينة بالكهرباء إذا فشلت الحكومة المركزية في حل الأزمة. وأعلنت الحكومة من جانبها عن خفض ساعات العمل الرسمية إلى نحو خمس ساعات يوميًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة. لكن العراقيين لا يعتقدون أن مثل هذه الخطوات ستعالج جذور هذه الأزمة.

ولعل أهم ما يجب أن يُذكر في هذا السياق قيام وزير الكهرباء ماجد حنتوش بتقديم استقالته إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 29 يونيو/ حزيران نتيجة للضغوط الشعبية. وقد قبلها رئيس الوزراء على خلفية انقطاع إمدادات الكهرباء في معظم أنحاء البلاد باستثناء اقليم كردستان.

وتعليقًا على استقالة حنتوش، قال عضو لجنة النفط والغاز النيابية غالب محمد علي لأمواج.ميديا: "لا استقالة وزير الكهرباء ولا استقالة جميع من في الوزارة ولا حتى إنتاج ميغاواط واحد من الكهرباء يمكن أن يحسن [حالة] البلد".

واقترح علي حلًا من جزأين لأزمة الكهرباء على أن يتولى الجزء الأول منه وزارة النفط، التي يترتب عليها أن تجمع الغاز الطبيعي الفائض من حقول النفط، والثاني سيكون من مسؤولية وزارة الكهرباء، التي ينبغي أن تبرم عقودًا طويلة الأجل مع شركات موثوقة، مثل سيمنس الألمانية، لتزويد العراق بالكهرباء مقابل مدفوعات موثوقة أو نفط.

لكن المشاكل التي تعيق إمدادات الكهرباء في العراق لها جذور أخرى أيضًا. وفي هذا السياق، صرح علي المعلم المعارض السياسي من البصرة لأمواج.ميديا فقال: "مشكلة الكهرباء لها بعد أعمق لأنها مشكلة سياسية والمشكلة السياسية لا يمكن اجتثاثها إلا من جذورها. فمعظم مشاكل البلاد التي تبدأ بنقص الخدمات، وسوء الرعاية الصحية، وهشاشة نظام التعليم، من بين أمور أخرى تتطلب مبادرة سياسية من شأنها أن تحل مشكلة الأمن الأساسية التي تؤثر على كل جوانب البلد. ولا يمكن حل هذه المشكلة الأمنية إلا من خلال نزع سلاح الميليشيات التي كانت ولا تزال السبب الرئيسي لأزمات البلاد [الكثيرة والمستمرة]".

أما أحمد صادق، وهو مواطن من البصرة يبلغ من العمر 38 عامًا، فأخذ حجة المعلم إلى أبعد من ذلك، وقال: "منذ عام 2003، تعمل الحكومات العراقية وفق نظام الحصص، مما ساهم بشكل كبير في انتشار الفساد في كل الوزارات والدوائر الحكومية". ويقوم هذا النظام على تقسيم المناصب العامة والمناصب السياسية وموارد الدولة على أسس عرقية وطائفية بين الأحزاب التي تشكل الطبقة الحاكمة في البلاد. ويعتقد الكثير من العراقيين أن هذا النظام يشكل جذور الفساد الذي ابتليت به هياكل الحكم في البلاد.

وأضاف صادق "أُنفقت مليارات الدولارات...على قطاع الكهرباء، لكن الأموال ذهبت إلى جيوب الفاسدين... [ومن بينهم] مسؤولون في وزارة الكهرباء... تلك المليارات كانت كافية لبناء أكبر محطات توليد الكهرباء في المنطقة، لكن الصفقات الفاسدة حالت دون إنجاز أي مشروع استراتيجي يخدم المواطنين".

وتابع صادق مطالبًا أي حكومة ستفوز في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول النيابية المقبلة بإعطاء الأولوية لمعاناة العراقيين العاديين وتقديم الخدمات. وختم بالقول: "الكهرباء والمياه النظيفة والبنية التحتية هي أهم الأمور التي نحتاجها في حياتنا اليومية، ولا أعتقد أن الحكومة ستحل أيًا منها ما لم تكافح الفساد والمحاصصة الحزبية وتحاسب المسؤولين الفاسدين في العلن".

أزهر الربيعي
أزهر الربيعي
أزهر الربيعي
أزهر الربيعي صحافي وباحث مستقل من العراق، تركز كتاباته على عدد من الموضوعات المتنوعة التي تشمل ... سيرة كاملة
Englishإنجليزي
Englishإنجليزي
فارسیفارسي
فارسیفارسي