3 أغسطس 2021

هل يقترب "صبر إيران الاستراتيجي" من نهايته؟

إيران/أمن
الزبدة
التفصيل
الزبدة
التفصيل

لم تستغرق إسرائيل وقتًا طويلًا لشن حملة دبلوماسية ضد الجمهورية الإسلامية في أعقاب هجوم 29 يوليو/تموز قبالة سواحل عمان بطائرة بدون طيار على ناقلة النفط ميرسر ستريت المرتبطة بإسرائيل. وقتل بريطاني وروماني كانا على متن الناقلة التي تملكها اليابان والتي ترفع العلم الليبيري وتديرها شركة زودياك ماريتايم المملوكة لإسرائيل.

وفي اليوم التالي، قال مسؤول حكومي إسرائيلي رفيع المستوى لم يكشف عن هويته لوسائل الإعلام إن "إيران تزرع العنف والدمار في كل ركن من أركان المنطقة وأنهم كانوا حريصين على مهاجمة هدف إسرائيلي لدرجة أنهم تورطوا وجرموا أنفسهم في قتل مواطنين أجانب". وأضاف أن "إيران ليست مشكلة إسرائيل فحسب، بل هي مشكلة عالمية وسلوكها يعرض حركة الشحن والتجارة العالميين الحرة للخطر وحملتنا ضدهم مستمرة". واختتم المسؤول حديثه بالقول أنه مع بدء رئاسة رجل الدين المحافظ إبراهيم رئيسي "ستخلع الأقنعة ولا يمكن لأحد أن يتظاهر بأنه لا يعرف طبيعة النظام الإيراني".

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في الأول من أغسطس/آب وبعد ساعات فقط من نفي وزارة الخارجية الإيرانية أي تورط لها في الهجوم أن إيران هي الجانية وأنها ستتلقى الرد على ما فعلته. وفي الوقت نفسه، ألقى وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب باللوم على إيران في الهجوم في حين قال نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في بيان له إن طهران هي المسؤولة على الأرجح وأنه يتشاور مع الحلفاء الإقليميين والدوليين بشأن الرد المناسب.

وفي 2 أغسطس/آب، نفى موقع نور نيوز الذي يديره المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني تورط إيران في الهجوم بينما نقل عن مصدر لم يكشف عن اسمه قوله إن أي عمل ضد طهران سيتلقى ردًا حاسمًا. وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، حذت وزارة الخارجية حذوه بإدانة الحادث وحذرت في الوقت نفسه من "رد فوري وحاسم" على "أي مغامرة معادية لإيران".

وربط  تلفزيون العالم الإيراني الناطق باللغة العربية الهجوم بعد أقل من 24 ساعة من هجوم 29 يوليو/تموز بجماعات "المقاومة" المدعومة من إيران بعد أن ردت على هجوم إسرائيلي مؤخرًا على مطار الضبعة العسكري في سوريا.

وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل نفذت في السنوات الماضية الكثير من الهجمات على مواقع إيرانية في المنطقة. ويعتقد أيضًا أنها أصابت البنية التحتية النووية والعسكرية الرئيسية بالإضافة إلى شخصيات داخل إيران. وفي الوقت نفسه، وفي ما يتعلق بإطلاق إدارة دونالد ترامب السابقة حملة "الضغط الأقصى" ضد الجمهورية الإسلامية، أفادت التقارير أن إسرائيل نفذت ضربات بحرية متعددة على ناقلات النفط الإيرانية. وألقى المسؤولون الإيرانيون باللوم على اسرائيل في مثل هذه الحوادث.

 

12 هجومًا على سفن إيرانية

تطرق النائب الأول للرئيس المنتهية ولايته إسحاق جهانجيري في 2 أغسطس/آب علنًا إلى الحرب البحرية غير المعلنة بين إسرائيل وإيران في أعقاب غارة الطائرات بدون طيار في 29 يونيو/حزيران. وذكر جهانجيري حصول 12 هجومُا على سفن إيرانية في البحر وأن إسرائيل تسللت إلى ناقلات النفط الإيرانية وفجرتها من داخل غرف المحركات.

وعلى الرغم من أن الهجمات على السفن الإيرانية حظيت باهتمام إعلامي قليل إلا أنها لم تمر دون أن يلاحظها أحد. وأفيد في 30 أبريل/نيسان 2019 أن ناقلة النفط الإيرانية هابينس تعرضت لهجوم في البحر الأحمر أثناء إبحارها باتجاه البحر الأبيض المتوسط. وتعرضت ناقلة نفط إيرانية أخرى تدعى هيلم لهجوم بينما كانت تتخذ نفس المسار في 20 أغسطس/آب 2019.

وفي ذلك الوقت، قالت السلطات الإيرانية إن الناقلات توقفت بسبب مشاكل فنية غير أن أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أكد في وقت لاحق أن هذه الحوادث كانت في الحقيقة هجمات. وبعد أقل من شهرين، أفيد بأن ناقلة النفط الإيرانية سابيتي استهدفت بصاروخين بينما كانت تبحر في نفس المنطقة

وفي السنوات اللاحقة، برزت تقارير عدة من وقت لآخر عن هجمات على ناقلات إيرانية أخرى لكن لم يتم الكشف عن أي تفاصيل لوسائل الإعلام. وتغير ذلك في 10 مارس/آذار من هذا العام عندما أعلنت إيران أن سفينة الشحن الإيرانية شهركرد تعرضت لهجوم في البحر الأبيض المتوسط. وأفادت التقارير في 6 أبريل/نيسان أي بعد أقل من شهر من ذلك الحادث أن السفينة اللوجستية ساويز التي قيل إنها كانت تستخدم كقاعدة لدعم السفن التجارية الإيرانية أصيبت بصاروخ.

نهاية "الصبر الاستراتيجي" الإيراني؟

عززت الزيادة في الهجمات ضد أهداف بحرية مرتبطة بإسرائيل في الأشهر الأخيرة التكهنات بأن إيران تتخلى عن سياسة "الصبر الاستراتيجي". وتم تبني هذه السياسة طوال حملة "الضغط الأقصى" التي شنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضد الجمهورية الإسلامية.

واعتبر المسؤولون الإيرانيون سياسة الصبر الاستراتيجي أداة لتجنب المزيد من التصعيد نحو الحرب والتوترات الإقليمية وكذلك للحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

إن الصبر الاستراتيجي لإيران هو الذي دفعها إلى رفض الانتهاكات الخطيرة للحدود بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة إلى أن تولى الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه في وقت سابق من هذا العام على الرغم من أن الولايات المتحدة خرجت من الاتفاق من جانب واحد في عام 2018. ويتطلب تبني هذه السياسة عدم الرد بشكل كبير على الهجمات الإسرائيلية المبلغ عنها على المواقع الإيرانية في المنطقة وكذلك السفن التجارية الإيرانية.

وأشارت إيران إلى أنها تسير على طريق التخلي عن سياسة الصبر الاستراتيجي في غياب تحول كبير في السياسة من جانب واشنطن بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وفوز بايدن. وفي الواقع، وافق البرلمان الإيراني الذي يهيمن عليه المحافظون في ديسمبر/كانون الأول 2020 على قانون يطلق عليه اسم "خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات". وأجبر القانون الحكومة الإيرانية على اتخاذ سلسلة من الخطوات التصعيدية للضغط على بايدن للوفاء بوعده في حملته الانتخابية بإعادة الانضمام إلى اتفاق عهد باراك بما أنه لم ينضم إلى خطة العمل الشاملة المشتركة في غضون شهر من توليه منصبه.

واضطرت إدارة روحاني بموجب قانون ديسمبر 2020 إلى تعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي مع محاولة إدارة بايدن اتخاذ إجراءات بشأن الاتفاق النووي الإيراني. وفي غضون ذلك، رفعت طهران مستويات تخصيب اليورانيوم في الأشهر اللاحقة إلى 20 بالمئة ثم إلى 60 بالمئة. وفي حين أن هذه النسبة هي أعلى بكثير من نسبة الـ 3.67 بالمئة المسموح بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة إلا أنها تبقى أقل بكثير من الـ 90 بالمئة لليورانيوم الذي يستخدم في صنع الأسلحة

وبدأت الهجمات على السفن الإسرائيلية التي لم تعلن إيران مسؤوليتها عنها قط بعد وقت قصير من وصول بايدن إلى البيت الأبيض. ويعد الهجوم على ميرسير ستريت خامس حادث من نوعه تتعرض له سفن مرتبطة بإسرائيل.

وأصيبت السفينة تيندال المملوكة من سفينة زودياك ماريتايم في شمال المحيط الهندي في 3 يوليو/تموز. وفي 13 أبريل/نيسان، استُهدفت السفينة التجارية هايبيريون راي التي يقال إنها تابعة لشركة بي سي سي الإسرائيلية بصاروخ مجهول الهوية في بحر عمان بينما كانت في طريقها إلى ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة.

وتعرضت السفينة التجارية إم في لوري التي يقال إنها تدار من قبل شركة إكس تي مانجمنت الإسرائيلية لهجوم في شمال المحيط الهندي بالقرب من بحر عمان حيث تعرضت لأضرار داخلية جسيمة في 24 مارس/آذار من هذا العام.

وكانت السفينة هيليوس راي التي تملكها شركة راي الإسرائيلية تعبر بحر عمان عند مدخل المحيط الهندي في 25 فبراير/شباط من هذا العام في طريقها إلى سنغافورة من ميناء في المملكة العربية السعودية عندما هزتها فجأة عدة انفجارات وتوقفت بعد ذلك عن الحركة.

وإذا ثبت دور إيران في هذه الهجمات فمن المحتمل أن يكون ذلك رسالة من الجمهورية الإسلامية مفادها أن الضربات على بنيتها التحتية النووية والعسكرية وكذلك سفنها التجارية لن تمر بعد الآن دون رد. وفي الواقع، أشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي في تصريحات غير مسبوقة وبشكل غير مباشر قبل أكثر من شهر من هجوم الطائرات بدون طيار في 29 تموز/يوليو على ميرسير ستريت إلى أن سنوات "الصبر الاستراتيجي" الإيرانية انتهت.

وقال سلامي مهددًا: "مر عامان منذ تدخل الصهاينة في الشؤون الداخلية لبلدان [العالم] وخلقوا مشاكل لصناعتنا النووية واعتقدوا أن هيكل الأمن القومي للنظام الصهيوني لن يتضرر لكن فجأة تغيرت المعطيات". وأضاف سلامي: "تعرضت سفنهم للهجوم وهو أمر مرتبط بالأشهر الثلاثة الماضية. وبعد عمل تخريبي في [مصنع تخصيب اليورانيوم] نطنز [في أبريل/نيسان من هذا العام] تم تدمير مصنع الصواريخ الخاص بهم وانفجرت مصفاة حيفا وتعرض رافائيل وهو كبر مجمع دفاعي لها لحريق. ومني أمن النظام الصهيوني بهزيمة لا نهاية لها".

 

إجماع ضد إيران؟

إن الهجوم على ميرسر ستريت وربط إسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة هذه الواقعة بإيران يحدث في الوقت الذي تبدأ فيه فترة رئاسة رجل الدين المحافظ رئيسي وتتعثر المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا وسط ما أشارت إليه إيران بأنه انتقال ديمقراطي للسلطة في الداخل.

وثمة عامل آخر زاد من حدة التوتر وهو التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بشأن المفاوضات النووية في فيينا. وانتقد خامنئي عدم مرونة الولايات المتحدة في المحادثات. وفي الوقت نفسه، تفيد التقارير  بأن الفريق الدبلوماسي لرئيسي يسعى للحصول على تنازلات أميركية في المفاوضات المستقبلية أكثر مما سعت إليه إدارة روحاني المنتهية ولايتها.

وحذرت كل من وزارة الخارجية الإيرانية وموقع نور نيوز التابع للمجلس الأعلى للأمن القومي من أن أي "مغامرة" ستواجه برد "فوري وحاسم". ولا يسع المرء إلا أن ينتظر ليرى ما إذا كانت بريطانيا وإسرائيل والولايات المتحدة ستسعى إلى تمهيد الطريق لهجمات محددة الأهداف على المواقع الإيرانية. ومع ذلك، يمكن أن تكون الحملة الدبلوماسية التي أطلقت حديثًا ضد إيران هي أيضًا وسيلة لهذه الدول للضغط على إيران للدخول في مفاوضات حول نفوذها الإقليمي فضلًا عن قدراتها الصاروخية وقدرات الطائرات بدون طيار التابعة لها.

وأخيرًا وليس آخرًا، من الممكن أيضًا أن تبني الولايات المتحدة إجماعًا جديدًا ضد إيران بهدف فرض عقوبات جديدة على الأسلحة، على عكس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 وخطة العمل الشاملة المشتركة. ومن المرجح أن تكون عواقب مثل هذه الخطوة حجر عثرة آخر في طريق التقدم في المحادثات الدبلوماسية حول إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.

مراسل ميداني
مراسل ميداني
مراسل ميداني
يتعمد موقع أمواج. ميديا أحيانًا حجب الأسماء الحقيقية لمساهميه بهدف حمايتهم. من الممكن أن يكون مساهمون ... سيرة كاملة
Englishإنجليزي
Englishإنجليزي
فارسیفارسي
فارسیفارسي