18 أكتوبر 2021

بيانات في العمق: ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الاقتصاد الإيراني

إيران/اقتصاد
الزبدة
التفصيل
الزبدة
التفصيل

استقر الاقتصاد الإيراني بعد ثلاث سنوات من الاضطراب والتراجع في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في مايو/أيار 2018، فضلًا عن جائحة كوفيد -19. وفي حين لا تزال بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي، وخاصة التضخم، مصدر قلق، سجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا هامشيًا، مما يشير إلى أن الاقتصاد بقي مرنًا في مواجهة الضغوط الخارجية والداخلية الهائلة. ويتفق الخبراء على أن تنوع النشاط الاقتصادي الإيراني كان عاملًا رئيسيًا في تجنب النتائج الاقتصادية الأسوأ.

وساهم كل من سوء الإدارة وجائحة كورونا في ضعف الأداء الاقتصادي الإيراني في السنوات الأخيرة، لكن العامل الرئيسي الذي سيحدد آفاق إيران المستقبلية يبقى العقوبات الأميركية ضد البلاد.

وبالنظر إلى المستقبل، هناك ثلاثة سيناريوهات يجب مراعاتها فيما يتعلق بالتوقعات متوسطة المدى للاقتصاد الإيراني في الحالات التالية: أ) العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، المسمّى الرسمي للاتفاق النووي الإيراني. ب) صفقة مؤقتة من شأنها أن تخفف جزئيًا العقوبات المفروضة على البلاد. ج) استمرار نظام العقوبات الأميركي الحالي.

 

الاتجاهات الحالية: يتمثل القلق الاقتصادي الأكبر في إيران في التضخم المرتفع، وهي مشكلة ستستمر بالرغم من التدخلات السياسية، بينما تبقى المشاكل الهيكلية مثل ارتفاع عجز الميزانية والنمو غير المقيد في المعروض النقدي من دون معالجة.

مع ذلك، وعلى الرغم من أوجه القصور الرئيسية، هناك مؤشرات على عودة الاقتصاد إلى النمو بعد عامين من التراجع الحاد. ويمكن أن يُعزى النمو، المنخفض لكن الإيجابي، في العام الإيراني الذي انتهى في 20 مارس/آذار 2021 إلى قطاع الهيدروكربون، لا سيما الارتفاع في تصدير المنتجات البترولية. في الواقع، تُظهر الأرقام الفصلية أن نمو الناتج المحلي الإجمالي وصل إلى أعلى مستوى له منذ الخروج من الركود في الربع الثاني من عام 2021.

وكشفت إحصائيات البنك المركزي الإيراني أنه في فترة الـ 12 شهرًا التي انتهت في 20 يونيو/حزيران من هذا العام، نما قطاع البترول الإيراني بنسبة 23.3 بالمئة، والخدمات بنسبة 7.0 بالمئة، والصناعة بنسبة 6.1 بالمئة، والتعدين بنسبة 5.7 بالمئة. في المقابل، انخفض القطاع الزراعي بنسبة 0.9 بالمئة وشهد قطاع البناء انكماشًا بنسبة 12.1 بالمئة. مع ذلك، وعلى الرغم من التراجع في هذه القطاعات الرئيسية المولّدة لفرص العمل، نجحت إيران في خلق 500 ألف وظيفة جديدة، وانخفض بذلك معدل البطالة من 9.5 بالمئة في عام 2020 إلى 8.8 بالمئة في منتصف عام 2021.

وبحلول نهاية الربع الثاني من عام 2021، نمت صادرات إيران من السلع والخدمات، خلال فترة الـ 12 شهرًا، بنسبة 35.6 بالمئة، وزادت الواردات، في الفترة ذاتها، بنسبة 30.5 بالمئة. أما المؤشر السلبي الرئيسي لفترة الـ 12 شهرًا التي انتهت في يونيو/حزيران 2021 فكان مرتبطًا بتكوين رأس المال، وأتى سلبيًا بنسبة 3.5 بالمئة. ويرجع نقص الاستثمار الرأسمالي جزئيًا إلى الوضع المالي للحكومة، مما أدى إلى عدم تحقيق الاستثمارات المخطط لها في البنية التحتية. وقد يؤدي هذا النقص في الاستثمار إلى إعاقة الأداء الاقتصادي في المستقبل.

وعانت إيران نتيجة هروب رأس المال الذي أثر على جوهر الاقتصاد الإيراني. في الواقع، شهدت البلاد حسابًا رأسماليًا إيجابيًا في عامين فقط من أصل السنوات الثماني الماضية.

بشكل عام، تشير التطورات الاقتصادية إلى مستوى نمو متوسط للعام الإيراني الحالي (الذي سينتهي في 20 مارس/آذار 2022). مع ذلك، ومع ارتفاع التضخم الذي يقضي على القوة الشرائية للإيرانيين العاديين، ونظرًا لاستمرار هروب رأس المال، يمكن أن تكون التوقعات قاتمة على المدى المتوسط، في حالة غياب التدابير السياسية والاقتصادية اللازمة. وبالنظر إلى المستقبل، هناك ثلاثة سيناريوهات يجب مراعاتها.

 

السيناريو المتفائل: إن المسار المباشر للانتعاش الاقتصادي سيكون إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة التي ستمنح إيران الوصول إلى 100 مليار دولار أميركي من الأصول بالعملة الصعبة، بالإضافة إلى استعادة صادرات النفط الخام. إن العودة إلى مستويات صادرات النفط الخام والمكثفات لعام 2016، بعد تنفيذ الاتفاق النووي، من شأنه أن يعزز عائدات الحكومة من العملة الصعبة بشكل كبير، مما يساعد على تقليص عجز الميزانية الحالي، وبالتالي السيطرة على التضخم.

بالطبع، يجب أن يكون تخفيف العقوبات الأميركية مصحوبًا بسياسات اقتصادية حكيمة تهدف إلى تحقيق نمو متوازن، لا سيما تقليص عجز الموازنة واستئناف استثمارات البنية التحتية.

سيحتاج صانعو السياسات أيضًا إلى معالجة المعروض النقدي وتقليل ضغوط التضخم الناجمة عن أسعار الفائدة المصرفية المرتفعة بشكل غير واقعي. بالإضافة إلى ذلك، ستكون الإصلاحات الضخمة في القطاع المالي ضرورية لزيادة كفاءة القطاع المالي المحلي وخفض التضخم. علاوة على ذلك، فإن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ستمنح الحكومة والشركات الخاصة إمكانية الوصول إلى النظام المالي الدولي، وبالتالي تخفيف الضغط على القطاع المصرفي المحلي.

وفي سيناريو يتم فيه رفع العقوبات الأميركية وتنفيذ السياسات الاقتصادية المناسبة، يمكن للاقتصاد الإيراني أن يحقق معدل نمو سنوي مستدام بنسبة 5 إلى 7 بالمئة. أما التحدي الأكبر، فسيتمثل في خفض التضخم حيث تبرز الحاجة إلى إجراء إصلاحات رئيسية. ومع ذلك، في السيناريو الأخير، سيكون الوصول إلى تضخم سنوي بمعدل 20 بالمئة، مع اتجاه هبوطي، هدفًا واقعيًا.

 

السيناريو الأكثر توازنًا: يمكن أن تتضمن الصفقة المؤقتة بين إيران ونظرائها في خطة العمل الشاملة المشتركة، من أجل تخفيف حدة العقوبات مقابل تعليق تخصيب اليورانيوم، ولوجًا تدريجيًا إلى الأموال بالعملة الصعبة، بالإضافة إلى إعفاءات تطال تصدير 500 ألف برميل يوميًا من المنتجات البترولية.

وسيسمح مثل هذا الاتفاق للحكومة الإيرانية بسد الفجوات المالية إلى حد ما. ولكن نظرًا لأن الوصول إلى الأصول الأجنبية وصادرات النفط سيكون أقل من المستوى الأمثل، فمن المرجح أن يبقى صانعو السياسات مجبرين على معالجة العوائق الداخلية أمام النمو، كسوء الإدارة والفساد وانعدام الكفاءة. وبالتالي، يمكن أن يؤدي تحسين الإدارة وكفاءة الطاقة إلى تحقيق النمو.

 

السيناريو المتشائم: إن استمرار المستويات الحالية من الضغط الخارجي من شأنه أن يجبر إيران على إيجاد طرق جديدة لتحييد الآثار السلبية للعقوبات الأميركية. فالاستعاضة عن الواردات من خلال بناء القدرات المحلية، بما في ذلك توسيع قدرات التكرير والبتروكيماويات، وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الغربية، وكذلك تنمية التجارة مع الصين وروسيا والدول المجاورة، كلها عوامل ساعدت على استقرار الاقتصاد في الوقت الحالي.

ولكن بمرور الوقت، ومع تقلص الموارد المالية البديلة مثل بيع الممتلكات الحكومية، من الصعب الحفاظ على هذا المسار. فقد تتطلب سياسات مثل إصلاح الدعم أو تشجيع الاستثمار من الشتات الإيراني درجة من الإرادة السياسية المحلية المفقودة في المرحلة الحالية. وقد يتضمن الحل العملي لمشكلة عدم القدرة على الانخراط بشكل كافٍ في المعاملات المالية الدولية استخدام العملات المشفرة أو التعاون الوثيق مع الأنظمة المصرفية للشركاء التجاريين الرئيسيين مثل الصين وتركيا والعراق وروسيا. ومع ذلك، سيتطلب ذلك تنفيذ تشريعات معلقة منذ فترة طويلة تتعلق بجهود إيران للخروج نهائيًا من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي.

 

الاستنتاج: على الرغم من أوجه القصور الهيكلية، اجتاز الاقتصاد الإيراني فترة صعبة للغاية، ومن المقرر أن يواصل النمو. وسيستمر توسّع القدرة الصناعية والاقتصادية المحلية، وكذلك الأسواق المحلية والإقليمية المتنامية، بدرجة تعتمد على نتائج المفاوضات حول مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة.

إن الخيارات التي تواجه المؤسسة السياسية الإيرانية واضحة: إما اتباع استراتيجية للنمو المعقول والتطور الاقتصادي والتكنولوجي، أو الاستمرار في طريق البقاء الاقتصادي الهش.

في المحصلة، ستكون التضحيات ضرورية في جميع السيناريوهات، لكن تكلفة استمرار المستويات الحالية للعقوبات قد تكون باهظة للغاية. إن التضخم المرتفع وهروب رأس المال وتآكل القوة الشرائية للأسر، إلى جانب سوء إدارة الموارد وتدهور البنية التحتية للبلاد، من الممكن أن تثير المزيد من الاحتجاجات وتقويض الشرعية، المتداعية بالفعل، للجمهورية الإسلامية في أعين الجمهور، ولن يمكننا تنبؤ تداعيات ذلك.

بيجن خواجه بور
بيجن خواجه بور
بيجن خواجه بور
بيجن خواجه بور هو الشريك الإداري في يوراسيان نيكسوس بارتنرز Eurasian Nexus Partners - شركة استشارية ... سيرة كاملة
Englishإنجليزي
Englishإنجليزي
فارسیفارسي
فارسیفارسي